ومع التقدم الهائل في علوم الفضاء والأستشعار عن بعد، دخلت هي الأخرى حلبة السباق في البحث والكشف عن الكنوز المدفونة في باطن الأرض مثل الأثار والمياه الجوفية والمعادن وغيرها. وتستطيع تكنلوجيا التصوير الفضائي والأستشعار عن بعد، أعطاء علماء الأثار فكرة عامة عن الأماكن التي عليهم أن ينقبوا فيها ، وهذا ما حدث في أحد أشهر الأبحاث التي أجريت في صحراء مصر في العام 1981. ففي مختبر المسح الأثري الأمريكي بولاية أريزونا الأمريكية ، بينما كان الباحثون يحللون جداول معطيات جمعتها أجهزة الرادار المركبة علي متن مكوك الفضاء (كولومبيا) أظهرت صور الرادار وجود منطقة تحت رمال صحراء جنوب مصر وشمال غرب السودان، لاتهطل فيها الأمطار الأن الأ بمعدل مرة كل خمسين سنة ، ولكنها تحتوي علي مجاري أنهار قديمة كبيرة ، بعضها أوسع من نهر النيل نفسه . ( يرى علماء التاريخ الطبيعي والجغرافيا التاريخية أن أنظمة نهرية تكونت و وتجمعت في عصر الأوليجوسين الجيولوجي ، كونتا نهرا كبيرا أطلق عليه أسم “النهر الليبي القديم ” أو الأورنيل ( جد النيل ) وكان يخترق الصحراء الغربية وينتهي بدلتا كبيرة في المنطقة الواقعة بين منخفض الفيوم جنوبا و وادي النطرون شمالا ، وتحتوي الرواسب النهرية في هذه المنطقة علي بقايا كائنات من النوع الذي يعيش في الماء العذب مثل التماسيح ، وأفراس النهر ، بالأضافة الي الفيلة، وتعتبر منطقة الفيوم الموطن الأصلي للفيل في العالم . ) بتصرف من ” مورفولوجية الأراضي المصرية ” للدكتور محمد صفي الدين ص 50، 51 . بعد ذلك بعدة أشهر أثبتت البعثات التي توجهت الي المنطقة أن أشعة الرادار كانت قد أخترقت الرمال الجافة وأنعكست عل الأحجار الكلسية الموجودة في قيعان الأنهار الجافة علي عمق مترين من سطح الأرض ، ووجد المنقبون علي شطان الأنهار التي حددها الرادار أصدافا لأنواع من الحلزون البري الذي لايمكنه العيش الأ في الأماكن الرطبة المبتلة وفي مناخ أستوائي.
وهذا يقودنا الي أن هناك تغيرا في المناخ أدي الي هذا الجفاف فالمنطقة المقصودة الأن منطقة صحراوية جافة خالية من الأمطار . لقد أرجع سبب الأنقلابات المناخية علي سطح الأرض الي التغيرات التي تطرأ علي ثلاث مقادير متعلقة بهندسة مدار الأرض حول الشمس . فالأرض تدور حول الشمس في مدار شبه دائري، ولكنه لا يصبت هكذا ، بل يتغير فيمتد قليلا ليصبح أهليجيا ، ثم يعود الي وضعه شبه الدائري في دورة مدتها 100 ألف سنة، وعندما يكون المدار دائريا فأن الأرض تتلقي كمية مماثلة من حرارة الشمس في كل يوم من أيام السنة ،أما عندما يكون المدار أهليجيا فأن كوكبنا يكون في بعض أيام السنة أقرب الي الشمسة ويتلقي مزيدا من الحرارة منه في أيام السنة الأخري ، ولكن مجموع كمية الحرارة التي يتلقاها الكوكب بأثره خلال سنة كاملة يبقي ثابتا دوما ، هذا هة التغير الأول في نظرية “ميلانكوفيتش ” .
أما التغير الثاني فهو في محور دوران الأرض ، في الأرض تدور حول محورها ، وهذا المحور يكون مائلا علي مستوي دورانها حول الشمس ، بمعني أنه أذأ رسم محور متعامد علي مستوي دوران الأرض حول الشمس وهو ما يعرف بدائرة الكسوف فأن محور دورانها يميل علي هذا المحور العمودي بزاوية تتغير من (21.8 الي 24.5) في دورة مدتها 41 ألف سنة وهذه الزاوية الأن 23.4 وهي أخذة في التناقص .
والتغير الثالث في هندسة مدار الأرض يتعلق أيضا بمحور دورانها ، فهذا المحور الوهمي يرسم في السماء دائرة . وهو ما يعرف بالترنح “precession” ويكمل المحور دورته في دورة مدتها 23 ألف سنة . هذه التغيرات التي تطرأ علي هندسة مدار الأرض حول الشمس والتي يسببها تفلطح الأرض وعدم أكتمال أستدارتها ، وجاذبية القمر والكواكب لها مما يجعلها تترنح في دورانها حول الشمس كما تترنح النحلة التي يلعب بها الصبية وهذا بدوره يؤثر علي كمية الأشعاع الشمسي الواصلة الي الأرض خلال أيام السنة .
كل النظريات الثلاث السابقة تفسر الأنقلاب المناخي الكبير الذي طرأ علي كوكب الأرض خلال ألالاف السنين وما هي الأ بضع الألاف أخري من السنين وقد تعود الصحاري الي سابق عهدها أنهارا وغاباتا .